-->
aatif errabiy aatif errabiy

كتاب حي بن يقضان بن طفيل

 كتاب حي بن يقضان بن طفيل


اشتهر بن طفيل بروايته حي بن يقضان التي نسجها على مثال قصة ابن سينا والسهروردي وقصة أبسال وسالامان التي نقلها حنين بن إسحق عن اليونانية وقصة ابن الأعرابي.. كل هذا تراث أفرز لنا قصة شعبية معروفة قصة رجل الغابة أو طرزان Tarzan التي أنتج عنها مجموعة من الأفلام السنيمائية المعروفة.                                                                                           

جعل ابن طفيل شخصيته حي بن يقضان تعيش على الفطرة فوق جزيرة غير مأهولة, وربما نشأ فيها بالتولد الطبيعي من العناصر, وربما قذف به إليها طفلا ثم أرضعته ظبية ونما عقله مع السنين فأدرك الطبيعة ثم أدرك وجود الله الواحد وعرف نفسه.

وعلم أن أمه التي عطفت عليه وأرضعته إنما كانت ذلك الشيء المرتحل، وعنه كانت تصدر تلك الأفعال كلها لا هذا الجسد العاطل، وأن هذا الجسد بجملته إنما هو كالآلة لذلك وبمنزلة العصي التي اتخذها هو لقتال الوحوش. فانتقلت علاقته عن الجسد إلى صاحب الجسد ومحركه لم يبقَ له شوق إلا إليه...

ثم أخذ ينظر إلى الأجسام التي لا تحس ولا تغتذي ولا تنمو من الحجارة والتراب والماء والهواء واللهب فيرى أنها أجسام مقدَّر لها طول وعرض وعمق وأنها لا تختلف، إلا أن بعضها ذو لون وبعضها لا لون له وبعضها حار والآخر بارد ونحو ذلك من الاختلافات. وكان يرى أن الحار منها يصير باردًا والبارد يصير حارٍّا وكان يرى الماء يصير بخارًا والبخار ماء والأشياء المحترقة تصير جمرًا ورمادًا ولهيبًا ودخانًا، والدخان إذا وافق في صعوده قبة حجر انعقد فيه وصار بمنزلة سائر الأشياء الأرضية فيظهر له بهذا التأمل أن جميعها شيء واحد في الحقيقة وإن لحقتها الكثرة بوجه ما فذلك مثل ما لحقت الكثرة للحيوان والنبات.

والتزم مع ذلك ضروب الحركة على الاستدارة؛ فتارةً كان يطوف بالجزيرة ويدور على ساحلها ويسيح بأكنافها، وتارةً كان يطوف ببيته أو ببعض الكدى أدوارًا معدودة: إما مشيًا وإما هرولة، وتارة يدور على نفسه حتى يغشى عليه.

وفي خلال شدة مجاهدته هذه ربما كانت تغيب عن ذكره وفكره جميع الذوات إلا ذاته فإنها كانت لا تغيب عنه في وقت استغراقه بمشاهدة الموجود الأول الحق الواجب الوجود. فكان يسوءه ذلك ويعلم أنه شوب في المشاهدة المحضة وشركة في الملاحظة وما زال يطلب الفناء عن نفسه والإخلاص في مشاهدة الحق حتى تأتى له ذلك وغابت عن ذكره وفكره السموات والأرض وما بينهما، وجميع الصور الروحانية والقوى الجسمانية وجميع القوى المفارقة للمواد، والتي هي الذوات العارفة بالموجود الحق. وغابت ذاته في جملة تلك الذوات وتلاشى الكل واضمحل وصار هباءً منثورًا ولم يبقَ إلا الواحد الحق الموجود الثابت الوجود

كتاب حي بن يقضان بن طفيل عاطف الربعي


التعليقات



إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

aatif errabiy

2016