-->
aatif errabiy aatif errabiy

في أصول الجمال المغربي

 

في أصول الجمال  المغربي

 

الفنون الجميلة كما نسميها الآن، أو الآداب الرفيعة هي:

في أصول الجمال  المغربي عاطف الربعي


الموسيقى،
والشعر، والعمارة، والرسم 1، والنحت، والرقص، والغناء، والتمثيل...

وغاية هذه الفنون جميعها هو الجمال، ولكن الجمال ليس شيئًا موضوعيٍّا له حقيقة
أصلية في الكائنات التي حولنا من حي وجماد، وإنما هو ذاتي في أذهاننا، فالعالم أو الكون
نفسه ليس جميلًا أو قبيحًا، وإنما الجمال والقبح اعتباران ذهنيان أي:  قائمان في أذهاننا
فقط.
ويمكننا أن نوضح ذلك بالمقابلة بين صورة فوتوغرافية تؤخذ عن حقل أو حيوان أو
إنسان, وبين هذه الصور نفسها يرسمها رسام ماهر من رجال الفن العبقريين، فأما من
حيث النقل واتباع الأصل فالصورة الفوتوغرافية أمينة تطابق الأصل أكثر من الصورة
التي يرسمها الرسام، ولكننا مع ذلك نستحسن صورة الرسام ونقول إننا نفضل الصورة
الفوتوغرافية.
والسبب في ذلك أن الجمال ذاتي وليس موضوعيٍّا، نعني أنه في ذهن الرسام وليس
في ذات الحقل أو الحيوان أو الإنسان، فإذا كان الرسام عبقريٍّا يدرك ببصريته مرامي
الفنون استطاع أن ينفذ إلى ما لا تنفذ إليه الآلة الفوتوغرافية وينقل لنا روح المنظر كما
ينقل لنا جسمه، فمهمته ليست النقل الساذج كما هي مهمة الآلة الفوتوغرافية، لأن عليه
أن يفسر ويكشف لنا عما خفي عن أنظارنا من آيات الجمال في المنظر الذي يرسمه.
فنحن لا نرى في صورة الرسام خياله هو كما لا نرى أيضًا صورة المنظر الأصلي، نعني
أنه لا يقنع بالمحاكاة وإنما هو مع نقله يفسر ويشرح ويكسب الطبيعة التي ينقل عنها
شيئًا من خياله ومن بصيرته في معنى الجمال.



 

     لنقف قليلا عند جمالياتنا.. جماليات الفن والرسم المغربي, صحيح أن إنتاجاتنا الإبداعية تخضع بدورها لمنطق الذاتية في تصور الطبيعة وإعادة تمثلها, وهذا ما يمنح الفن المغربي طابع متميز.

يقول "عبد الكبير الخطيبي" في كتابه الفن العربي المعاصر " إن الفنان التشكيلي الحقيقي, لا يكتفي بتقليد الخط أو الرسوم الزخرفية للزليج أو الزربية, بل هو الذي يحول هذا الإرث إلى عمل فني, عندما يطعمه بإحساسه وخياله".

إذن لا ينطبق لفظ الفنان أو الرسام على "فريد بلكاهية" و"شعبية طلال"... فقط, بل يشمل التصنيف كل من أعمل حسه وخياله انطلاقا من إمكانياته الخاصة. ولهذا ستكون العودة لمنابع وأصول هذا الفن  أمر مهم, ولنا وقفة مع فن نسج الزرابي.

     تتجلى أهمية الزربية  من خلال حضورها اليومي في حياة العائلات المغربية, وكذا تعدد استعمالاته, فتأتي على شكل سجاد, أو أثاث للحائط, أو كيس حبوب, فضلا عن إمكانية استعمالها كفراش, أو كزينة للخيمة أو سرج الفرس, وتحضر أيضا في الزوايا والمساجد, إذ يستعملها المسلم في تأدية فريضة الصلاة.
تحضر الزربية أيضا في المناسبات, حيث تستعمل كمهر للعريس أو كجزء من الهدايا المقدمة لها من لدن العريس كونها منتوجا تعبر الزربية, كغيرها من المنتوجات الثقافية عن الخصائص التقنية والجمالية لكل جهة من الجهات التي أحيكت بها, ويمكن تقسيمها إلى:

1        زربية الأطلس المتوسط:
     يعتبر الأطلس المتوسط المتواجد بين الريف والأطلس الكبير, من بين أكبر مراكز انتاج الزرابي بالمغرب  حيث يضم عدة قبائل مثل ( زمور – وزيان – وبني عوين – وبني مجليد – وبني سادن – ومرموشة...), حيث لكل قبيلة أسلوبها الخاص في نسج الزرابي.
تتميز زربية الأطلس بزخرفتها الغنية والمتنوعة وكذلك بأشكالها الهندسية التي تعتمد على نمط التماثلي, وكذا استعمالها للزخرفة ذات التمثيلات البشرية خاصة في مناطق بني سادن ومرموشة, ويطغى الأبيض والأسود والأزرق والأخضر على هذا النوع من الزرابي. 
2        زربية المنطقة الشرقية:
     تنسج زربية المنطقة الشرقية من قبل الرجال على عكس المناطق الأخرى, وترتبط حياكة الزرابي في ( بني بو ياحي), وعلى سبيل المثال بحدث سعيد كعيد أو زفاف حيث تكتسي الزربية أهمية كبرى داخل جهاز العروس.
تتميز زخرفة الزربية الشرقية بتناوب الأزرق المستخرج من نبتة النيلة و أخضر أوراق الزيتون اللذان يتناوبان بانتظام مع الأحمر حيث تتوزع هذه الألوان في دقة يصعب معها أحيانا تمييز العنصر الزخرفي من خلفية الزربية, كما تشبه إلى حد ما زخارف زرابي الأطلس المتوسط في تركيبها الهندسي الغير المتماثل نسبيا, والذي يتكرر ويتناوب أفقيا أو في تقسيمات معينة. 
3        زربية الأطلس الصغير:
     يشتهر سجاد هذه المنطقة بسجله الهندسي الغني, وببنيته المعتمدة أساسا على التماثل الذي يعبر عن براعة نساجات المنطقة. يتم تركيب الأشكال الهندسية لسجاد الأطلس الصغير باستعمال خيوط مستقلة ومرتبة ذات ألوان ودرجات سمك مختلفة, يتم الجمع بينها بطريقة موازية, مائلة أو متقاطعة. 
4        زربية الأطلس الكبير:
     تعتبر زربية الأطلس الكبير من اختصاص نساء قبيلة ايت وأزكيت التي تقع بين ورززات وتازناخت, ويتميز هذا النوع من الزرابي بصوف عالي الجودة وألوان طبيعية مستخرجة من حناء وزعفران ومن نبتة الفوة - اللون الأحمر- ونبتة النيلة - اللون الأزرق - وكذا بزخرفة نباتية أو هندسية أو تسجيدية مستوحاة من بيئة المرأة  القروية.
ترجع صلابة هذه الزربية إلى استخدام الصوف بألياف طويلة مصبوغة بعدة ألوان مثل الأحمر والأصفر والأزرق الأخضر والبرتقالي والأسود... مع الحفاظ على اللون العام للزربية, ويتم ترك حوالي 50 سم من أطراف الزربية غير منسوج بعد إزالة السجاد من المنسج . 
5        زربية حوز مراكش
     يتمركز نسيج زربية حوز مراكش في مناطق ( أولاد حمر وأولاد بوسبع والشياضمة والرحامنة).
وتتميز بغياب التماثل والإطار, وتستوحي زربية هذه المنطقة زخارفها من النباتات أو من الوشم التقليدي الهندسي, وتنتشر كل هذه العناصر المختلفة في الزربية دون ترتيب معين 2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


1 - يكفي للمشاهد أن يمعن قليلا في الرسوم واللوحات التي تمتد من العصر الهيلينستي والروماني إلى العصر القوطي, لكي يتبين بنفسه أن ما ينقص المكان التشكيلي الذي شيدت عليه هذه الرسوم هما عنصر الإتصال والشعور باللانهائية, لكن مع أسلوب الباروك Barocco في روما أوائل القرن السادس عشر  التي تعنى الشيء الغريب أو المبهرج أو الزخرفي الذي يتميز بخطوطه وألوانه وأشكاله شديدة الوفرة والضخامة والحيوية و(الحركة) والانفعالية وقد تم رسم صور القديسن وشخصيات عامة في ملابس فضفاضة متماوجة منتفخة. بينما تعلو عن رسم الميثولوجيا أو الأساطير القديمة وأسلوبها المبالغ في الأداب.
ومع فن الرسم النهضوي والكلاسيكي لا يستقيم تصور الجمال إلى داخل إطار منظوري أشمل يعتبر اللوحة الفنية (نافذة مفتوحة) تلج ببصر المشاهد إلى عالم متمثل أو "الرسم في مستطيل وفق القامة التي أشاء وأتخيله نافذة مفتوحة أنظر من خلالها كل ما سأتمثله لاحقا".
وهنا الإنتقال الجدري سوف يكون بين العالم الذي جسدته رسوم عصر النهضة والعالم الذي أصبح يجسده الفن التجريدي فعلى حين ظل العالم الأول يحلم بتصوير الأجسام في أبعادها الثلاثية وتمثلها وفق الزوايا التي تسمح بها المنظورية, سيحلم العالم الثاني بموضوعات مسطحة ذات بعدين لا محل فيها لا للعمق ولا للتمثيلية ولا خارج.

2 - دليل متحف دار سي سعيد "المتحف الوطني للنسيج والزرابي.  

التعليقات



إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

aatif errabiy

2016