-->
aatif errabiy aatif errabiy

الجسد في تاريخ الفلسفة



الجسد في تاريخ الفلسفة

           
الجسد في الفلسفة عاطف الربعي

     يبرز الجسد إلى الوعي كموضوع على الكثير من الطرافة، فهو موضوع يسهل الإقرار بوجوده فمن منا ينكر أن له جسداً؟ كما أنه موضوع يسهل إنكاره، وفي الحالة الثانية يلعب السؤال الفلسفي دوراً مصيرياً. يحترز "أفلاطون Plato الذي عاش 427 ق.م - 347 ق.م" ومعه الفلاسفة المثالية بصفة عامة، من كل ما يمثله أمامه مرئيا، لأن المرئي هو ظل ما يتوجب تأمله، وأخطر المرئيات هو الجسد. إنه يتمثل بين الذات والعالم مدعياً أنه الواسطة الضرورية بين الروح والأفكار التي تريد الذات تأملها: إنه الشاشة التي تنعكس عليها التمثلات وترتسم، لذلك أعلنت الحرب عليه في أكثر من تاريخ ومجال ولذلك كان الجسد بالنسبة إلى الفيلسوف المثالي مزعجاً، وثم سجنه في فضاء معرفي ضيق جداً، إذا كانت الروح لا تقدر إلا أن تتجسد، واذا كان لابدى للوعي من عبور الجسد، فليكن ذلك في السر وعلى الفلسفة أن تعلمنا التخلص منه.
أن أعرف جسدي / في منظور "روني ديكارت René Descartes 31 مارس 1596 - 11 فبراير 1650" / يعني أن أتنازل عن الصرامة المثالية، وذلك بأن أقر ببعض دور للجسد يجعل معرفتي بالعقل أفضل، وهذه المعرفة بالعقل هي ما يسمح لي بأن أعيد غزو الجسد، فإن البداهة تقول: أنت لا تغزو إلا ما تكون قادر على معرفته، كذا أعيد الجسد، كذا أغزوه.




     مع "فرديرك نيتشه Friedrich Nietzsche 15 أكتوبر 1844 - 25 أغسطس 1900" يتوقف الجسد عن أن يكون عائقاً، بل يصبح الشرط الأساسي للمعرفة وللوجود، وهو لم يُوصف بفيلسوف الانقلابات الكبرى بلا سبب، فهو القادر على قلب القيم إلى درجة تحويلها إلى نقيضها. في منظور فريدريك نيتشه، يكون الفهم معكوساً للواقع، أن يضع الروح في موقع السيادة للوعي، وأن نجعل من هذا الفهم أصل للوجود. ففي الحقيقة، يقول إن ما هو أول، هو الجسد هذه الأولوية التي يعطيها للجسد هي أكبر من مجرد ترتيب تفاضلي، وبالتالي فهي تفرض الاهتمام بها: أنها قبل كل شيء تقف بالضدّ للفهم الديكارتي الأولية للروح على الجسد. في منظور نيتشه ما يجب إعتبار أن له أسبقية هو الجسد، كل شيء يمر عبر الجسد، وكل فكرة منه تنبثق، وكل وعي يصبح بواسطته ممكنناً، وما الروح إلا إفراز بسيط للجسد، ولعلها مجرد تضخم وهمي للذات على الإنسان المتيقظ أن يعرف كيف يفضحه - في كتاب هكذا تكلم زرادشت - "يعلن البطل على لسان نيتشه لكن الإنسان المتيقظ. الذي، يعلم، يقول: أن جسم حتماً. ولاشيء أخر، وما روحي إلا كلمة لتعيين حالة الجسد أخر، وما روحي إلا كلمة لتعيين حالة الجسد. نيتشه. { لكن الإنسان المتيقظ. إنما الجسد عقل هائل، تعددية ذات معنى واحد، حرب وسلم، قطيع وراع. أداة لجسدك، هو ذا، يا أخي، عقلك الصغير الذي تسميه روحاً، أداة صغيرة ولعبة لعقلك الكبير. أنا تقول معتزاً بهذه الكلمة. لكن ما هو أعظم - ما تريد اعتقاده - إنما هو جسدك: إنه لا يقول أنا لكنه يصنع الأنا }"1.

     للجسد  عرق  والدموع  خلفته  قرون من العمل والحب، بين مطرقة الأنساق  النظرية التي دشنها "فريدريك  نتشه" وسندان  الخطابات المتعددة والمتباينة التي  نسجتها حضارتنا في  مختلف المجالات  منذ زمن  طويل.ومن هنا نتسائل لماذا لم يصبح الجسد  موضوع  لدراسات الإجتماعية إلا  حديثا  خصوصا بعد الحساسية  المابعد حداثية؟  وماهي الإعتبارات العميقة التي جعلت من  الكتابات  الأدبية  تحتكر  وصفه؟  كثيرة  هي المقالة التي تعرضت  بشرح والتحليل لهذا الموضوع وسوف تكون هذه المحاولة المتواضعة حلقة أخر سوف تعنى بالأسس بعرض وإظهار أهم المواضيع التي حاولت الاقتراب من هذا المفهوم.   
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - فريديرك نيتشه، ديوان نيتشه، ترجمة محمد بن صالح، مقدمة المترجم.

نتائج البحث



التعليقات



إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

aatif errabiy

2016